هناك دراسات عديدة أثبتت العلاقة الوثيقة بين وجود وازدياد العامل التكنولوجي وبين التفكك الأسري، ولعل مجتمعاتنا العربية التي اعتادت منذ سنوات طويلة أن يكون للجانب الاجتماعي نصيب كبير من حياتها، نجدها وقد اضطرب لديها هذا الجانب نتيجة للغزو التكنولوجي الذي اقتحم جدران وأسقف منازلنا بصورة هادئة ودون أن نشعر، بل نحن من يلهث خلف شراء تلك الأجهزة المختلفة، ونحن من يتابع الجديد ليقتنيه قبل غيره، بل في أحيان كثيرة نجعل منها هدايا لأبنائنا عند نجاحهم.. الهواتف المحمولة بمختلف أنواعها، أحجامها وأسمائها، والحواسيب بكل ما تحمله من برامج، وفي ذلك ربما يسعى الكثير منا إلى تطوير تفكير أبنائه أو تسهيل حياتهم عن طريق اقتناء تلك الأجهزة، ولكن النتيجة هي أن نفقد جانبا اجتماعيا مهما يبنى عليه ترابط مجتمعنا بشكل كبير وأساسي، ففي مناسبات عائلية مختلفة يجتمع فيها الأقارب تجد الأبناء لا يتوقفون عن العبث بأجهزتهم المحمولة، ويعتبر تواجدهم في تلك المناسبة العائلية تواجدا جسديا لا أكثر، دون أن يحاولوا الاشتراك في الحوار أو المناقشة، وربما تنتهي المناسبة ولا يخرجون بأي شيء يبنونه من العلاقات ودعم المحبة والقرابة، ولا أبالغ حين أقول حتى الحديث مع الآباء أصبح شيئا لا يتحقق بسهولة، وإن كنا دائما نسمع عن سياسة التقارب بين الأبناء وآبائهم وأهميتها في التوجيه على مختلف مستوياته، إلا أن تلك التكنولوجيا ببرامجها المختلفة تجعلك تتحدث مع من هم في أستراليا أسرع من أن تتحدث مع والدك الذي يجلس بجانبك على الكرسي، وبعد هذا كله نتحدث عن التقارب والألفة والعلاقة الوطيدة بين الآباء والأبناء والصراحة وفتح قنوات التربية الإيجابية، وكلما تقدم بنا الزمن فوجئنا بما يبعدنا عن أبنائنا مسافات أكثر، والبعد عن الأبناء قد ينعكس بسلبيات مختلفة لعل أولها الانحراف وآخرها الجريمة، ولو بحثنا عن الحل فسنجد أن البعض ربما يجيب بمنع تلك التكنولوجيا من دخول المنزل، وستكون الطامة هنا أكبر، حيث الكبت الذي يولد التحايل والكذب، ولكن أعتقد أن البعض منا لم يفكر يوما في الحل الحقيقي لذلك من خلال الترشيد والتوجيه، فالسياسة التي يتبعها الكثيرون إما المنع وإما التساهل، لذلك إن كنا نريد أن نحافظ على البقية الباقية من حياتنا الاجتماعية العائلية فلا بد من ترشيد استخدام تلك التكنولوجيا، والترشيد سيعلم أبناءنا الكثير من احترام الأسرة والكثير من احترام الوالدين، تلك الامتيازات التي فقدها البعض وأصبحت في سجل تاريخ الأسرة، فمن السهل جدا أن يبتعد الأبناء وتتفكك الأسرة، ولا شيء يمنع ذلك إلا السعي نحو بناء أسرة متماسكة.
المصدر: حملة السكينة
__________________